Tuesday, June 11, 2013

هندسه الحياه

أغمض عيني أحيانا لأعيد إحياء ذكرياتي الجميله التي عشتها في مشواري الإعلامي المتواضع . لم يكن قرار اعتزالي لحظيا أو مفاجئا لمن حولي . منذ البدايه كنت على يقين بأن الإعلام حلم جميل ، لابد له أن ينتهي يوما مهما طال . لهذا السبب اخترت دراسه الهندسه في الجامعه . والديّ خيراني بين الطب و الهندسه لأنني كنت من المتفوقات في القسم العلمي بالمدرسه . و لأن قلبي أضعف من أن يتحمل مناظر الجروح و الدم و آلام الآخرين اخترت الالتحاق بكليه الهندسه و البترول بجامعه الكويت . هناك تعلمت تنظيم وقتي و الجمع بين التفوق في دراستي و نجاحي كإعلاميه . لا أبالغ لو قلت بأنني كنت في أوج نشاطي المهني خلال تلك الفتره التي كنت فيها على مقاعد الدراسه بالجامعه . كثره أسفاري ، مشاركاتي بمهرجانات عربيه و خليجيه عده لم تكن عائقا أمام تفوقي . أتذكر مذاكرتي و تحضيري للإمتحانات النهائيه على متن الطائرات و في كواليس الأستوديوهات و في غرف الملابس و الماكياج في التليفزيونات . لأنني أعشق دراستي أولا و لأنني أريد لوالديّ أن يفرحا بتخرجي كمهندسه ثانيا . لم يكن الأمر سهلا لكن قاعدتي كانت وما زالت أن أهم الأمور أولها . ولا شيء أهم من دراستي و رضا والدي . أحد أساتذتي في الكليه سألني مازحا يوما عن كيف استطعت الحضور لمحاضره يوم السبت الساعه الثامنة صباحا رغم أنني كنت على الهواء مباشره مساء الجمعه من دبي !!! الحقيقه أننا كنا أنا ووالدتي بعد انتهاء كل حلقه من برنامج " نجم الخليج " و الذي كان يبث كل جمعه في العاشرة مساء بتوقيت دبي ، كنا نتوجه بعد كل حلقه مباشره إلى المطار لركوب طائره الساعه الخامسة فجرا كي نصل إلى الكويت في تمام الساعه السادسه و النصف صباحا و من المطار إلى الجامعه لحضور محاضرتي في كليه الهندسه في منطقه الخالديه في تمام الثامنة ! هكذا كنت حريصه على مستقبلي المهني كمهندسه رغم زحمه انشغالي كإعلاميه . لأنني أرى الشهاده العلميه سلاحا أحتمي به من غدر الزمان و ورقه رابحه ضد ألاعيبه . لولا الهندسه لما كانت حياتي منظمه إلى هذا الحد ، ولما التقيت بالشخص الذي اختاره لي الباري عز و جل ليشاركني فيها . يتبع 

Sunday, May 12, 2013

لا مستحيل

عودتني أمي على الصلاه و قراءه القرآن منذ صغري . شاركت في مسابقات حفظ و تجويد القرآن الكريم منذ كنت في السادسه من عمري . كنت أنا من يقرأ آيات من القرآن كل صباح في الإذاعه المدرسيه . هذا الكتاب العظيم لم يكن له الأثر الكبير في نفسي و سلوكي فحسب ، بل أيضاً في لساني و فصاحتي . قراءتي للآيات القرآنية و المعاني الغزيره التي تحويها ساهمت بشكل كبير في تطوير لغتي العربية و محبتي لها . أعشق اللغه العربية بكل قواعدها و بلاغتها و معانيها . منذ تعلمت الكتابه و قلمي لم يجف عنها و لم يجافيها . جدي لوالدتي كان شاعرا فصيحا و معروفا في زمنه ، عمتي شاعره لها دواوينها و كتاباتها . ووالدي كان و لا يزال عاشقا لأدب الروايات و الخواطر . ليس غريبا أن أحمل في دمي عشقا لا ينتهي للكلمات و تذوقا لحلاوه الشعر و لذته . من هذا المنطلق ، لم يكن صعبا علي أن أقرأ نصا لقصيده من الأدب العربي خلال تجربه أدائي الأولى في الإذاعه . تجربتي التي انتهت بتصفيق الحاضرين و ابتسامه والدتي وسط بحر من دموع الفرح و الفخر . خرجت من الأستوديو إلى حضن والدتي ، أخبرتني أن شخصا ما سمعني ألقي القصيده و يود مقابلتي ، التفت ، شهقت و تلعثمت بالكلمات كعادتي . "ماما أنيسه " تمسك بيدي ، تشدني نحوها و تطبع قبله حنونه على خدي . تخبرني بأنها معجبه بإلقائي للقصيده و تود أن أشاركها تقديم برنامجها بفقره شعريه !!!! فتحت عينين الصغيرتين و نظرت إلى وجهها . ثم التفت لأرى وجه أمي الباسم . هزيت رأسي بالإيجاب ، و بعد أسبوع كنا أنا و ماما أنيسه في نفس الأستويو
نجلس على طاوله واحده و نتحدث أمام نفس الميكروفون ، كانت هذه أول تجربه تعلمت منها أنه لا مستحيل في الحياه . "المستحيل " كلمه ابتكرها أشخاص كسولين ليوفروا على أنفسهم عناء الإجتهاد و العمل و السعي وراء أحلامهم . ها أنا اليوم أشارك في تقديم برنامجٍ كان يكفيني سماعه كل خميس عبر المذياع . أتحدث ، أضحك و أشارك إعلاميه قديره كان يكفيني توقيعها على ورقه في دفتر مذكراتي . كل هذا و انا طالبه على أعتاب المرحله المتوسطه ولم أتجاوز من عمري التسع سنوات . يتبع

Wednesday, May 1, 2013

مع العمالقة

يومي الأول في الإذاعه لم يكن كأي يوم . هذا المبنى الذي يمثل جهه عمل ممله للبعض كان بالنسبه لي أجمل من أضخم محلات الألعاب و أروع من أكبر مدن الملاهي. تجولت في أروقه مبنى الإعلام ، تبهرني تلك الصور المعلقة على الجدران لعمالقة الإعلام و الفن في الكويت و العالم العربي ( محمد السنعوسي ، منصور المنصور ، أمل عبدالله ، أمينه الشراح ، إستقلال أحمد ، عبدالحسين عبدالرضا و غيرهم الكثير ) . كان هنالك صور من برامج و لقاءات، و أخرى من أعمال تلفزيونيه و إذاعية من العصر الذهبي للإعلام في الخليج العربي . كل ما تمنيته في تلك اللحظه أن يأتي يوم ما تُعلق فيه صورتي بين هؤلاء . أمنيه غريبه و طموح غير متوقع من ابنه التسع سنوات . لم يكن الإعلام بالنسبه لي يوما وسيله للوصول إلى المال أو الشهره . كان الإعلام دائماً حلمي و غايتني ، أردت أن أشارك في تقديم أعمال يكتب لها البقاء و يتربى على متابعتها و حبها أجيال و أجيال تماماً كهؤلاء الكبار الذين زينت أعمالهم جدران مبنى الإعلام . أيقضني صوت والدتي من غفله أحلامي لتخبرني أنه دوري لتقديم الإختبار أمام الميكروفون . توجهنا إلى الأستوديو حيث ينتظر قرابه العشرين طفل و طفله دورهم للإختبار . كان من بينهم وجوه معروفه لأطفال و مراهقين شاركوا في أعمال سابقه و لديهم جميع المؤهلات للنجاح في الإختبار . لا أبالغ لو قلت أنني كنت الأصغر حجما و ربما سناً بين المتقدمين . لكن لم يعقني ذلك عن البقاء . في غرفه الإنتظار كنت أسمع ضحكات بعضهم و سخريتهم من شكلي ، حجمي ، و حتى وقفتي و نظراتي . كنت أقول لنفسي :" لا يهم ، أنا هنا ، ووالدتي تنظر إلي ، جاءت بي و انتظرت معي و هاهي تترقب أدائي و ترمقني بعينيها و كأنها تقول لي .. تريدين هذه الفرصه ؟ إما اليوم و إما فلا " . يتبع

صيف ١٩٩٢

صيف ١٩٩٢ . طفله لم تتجاوز عامها التاسع تجلس على الرصيف الموازي لبوابه وزاره الإعلام في دوله الكويت . لهيب الشمس الحار لم يمنعها من المجيء و الألعاب التي تغري جميع الأطفال في سنها لم تعد تعني لها شيئا بعد اليوم !

لطالما سحرني صوت "ماما أنيسه " العذب عبر المذياع، لطالما حلمت أن التقيها ولو صدفه لأخبرها كم أعشقها و أهوى متابعه برامجها . لم يخطر ببالي قط أننا سنقف يوما ما أمام ميكروفونٍ واحد لنتشارك تقديم نفس البرنامج الذي كنت أعشق سماعه كل خميس عبر أثير الإذاعه الكويتيه . كانت لعبتي المفضله أن أوؤدي دور المذيعة و أسجل صوتي على أشرطه الكاسيت آنذاك . برامج عديده من نسج الخيال سجلتها على أشرطه لازلت أحتفظ ببعضها حتى اليوم . في لعبتي تلك كنت مذيعه إخبارية أحيانا و ترفيهية أحيانا أخرى . لعبت دور المذيع ، معد البرامج و المخرج في آن واحد ! في الوقت الذي كانت جميع صديقاتي و قريباتي يخترن "الباربي" كلعبه مفضله ، كان الميكروفون هو لعبتي الأولى بلا منازع . لم يمض وقت طويل حتى انتبهت عائلتي لموهبتي الصغيرة . خالتي الصغرى " أفراح القريني " كانت ولا تزال من أوائل المهندسات الإذاعيات في وزاره الإعلام الكويتيه . أبلغتني يوما بأن إعلانا نشر في الإذاعه يبحث عن مجموعه من الأطفال لعمل إذاعي ضخم . أتذكر أنني يومها وبدون مقدمات ، تواجدت مع والدتي أمام مبنى الإذاعه خلال أقل من ساعه ! أتذكر وقوفنا أمام البوابه لساعات بانتظارصدور تصريح لدخولنا إلى المبنى . حراره الشمس ، زحمه الطرقات في نهار ذاك الخميس لم تمنعني ولو للحظه من العدول عن رغبتي و الوصول لما أريد . تردد والدتي بالإنتظار ، سؤالها لي أكثر من مره عما إذا كنت تعبت و غيرت رأيي لم يزيداني إلا إصرارا على البقاء . جلست على الرصيف الموازي للبوابه أتأمل ذلك المبنى الضخم الذي يحتضن حلمي الكبير في أروقته . المبنى الذي تبنى كبار الإعلاميين الكويتيين و العرب و شهد العديد من البرامج الناجحة و اللقاءات الفنيه و الإعلامية القديره . ماهي إلا دقائق حتى رأيت والدتي مقبله نحوي و في يدها ورقه تصريح دخولنا لمبنى الإعلام للمره الأولى . يتبع

Saturday, April 27, 2013

أم و أب

في المدرسه كنت الطالبه المرحه . أقلد المدرسات ، أطلق النكات ، و أشارك في أغلب النشاطات المدرسيه ( الموسيقى ، الرياضه و الشعر ) . رغم تعدد نشاطاتي لم تكن والدتي تسمح لي بالتغيب عن الصف مهما كانت الظروف . كنت أدّعي المرض أحيانا و أتعمد التأخير أحيانا أخرى لعلي أخلق سببا يمنعني من الذهاب إلى المدرسه ولكن دون جدوى . أتذكر تلك الأحداث و أشعر بالتقدير و الإجلال أكثر لوالدتي .

بحكم تجاره والدي و كثره انشغاله لم يكن موجودا دائماً بيننا . سفراته العديده و رحلات عمله أخذته منا سنين طويله . أتذكر سؤالي الدائم عنه و تلويحي لأي طائره تحلق في السماء لعله يراني منها . أتذكر غيرتي من أبناء أقربائنا و أصدقائنا حين أراهم في أحضان آبائهم أو حتى حين يدور بينهم حوار بسيط عادي بين الأب و أبنائه . مناسبات عديده ، لحظات كثيره أتذكرها بتفاصيلها و تمنيت وجود والدي فيها . رغم ابتعاده و انشغاله الدائم لم أشعر قط بالغضب منه أو الحزن اتجاهه . كنت أسترجع كلمات أمي دائماً بأنه بعيد لأنه يعمل لأجلنا و ليأمن لنا مستقبلا أفضل . هكذا تعودت، أن أرى والدتي أما و أبا . و في كل مره كنت أرى ذلك الحب و الصبر في عينيها كنت على استعدادٍ لعمل المستحيل لأجعلها فخوره . كنت أجتهد في دراستي طوال العام فقط لأرى ابتسامتها لي و أنا أقف في صفوف المتفوقات في آخره . طموحي كان رضاها عني و حلمي أن أسمع كلمات الفخر و الإعتزاز بي من شفتيها . يتبع

حلم آخر

ترددت كثيراً قبل ان أبدأ بكتابه هذه المدونه . ليس خوفا من التعبير عن أحاسيس عشتها وواقع لامسته و لكن لأن هذه هي المره الأولى التي أكشف فيها عن نهى نبيل التي لا يعرفها أحد .

وسط زخم الشهره و زحمه الأقاويل و كثره الإشاعات كنت دائماً و ما أزال فتاه بسيطه ، حاصرتها الطموحات و أغواها النجاح . تعبت و اجتهدت و ناضلت من أجل الوصول إلى أحلامي و تحويلها إلى واقع ألمسه و أعيشه. طريقي لم يكن مفروشا بالورود و أحلامي لم تقدم لي على طبقٍ من فضه . لأنني أردت الأفضل سعيت إليه بكل ما أوتيت من قوه و سخرت له ساعات طوال من الجهد و التعب .

ولدت في الكويت لأبٍٍ دار الدنيا و أم حملت في قلبها حنان الكون كله . معا سخّرا لنا كل ما نحلم به و أكثر كي يضمنا لنا أنا و أختي الوحيده حياه يملؤها الحب و النجاح . منذ نعومه أظفاري وأنا أسمع والدي يتناقشان حول مستقبلي ووظيفتي في الحياه . لازلت أتذكر وجه والدي مقبلا نحوي ، حاملا لعبه لعده الأطباء . كان دائماً يخبرني أن الطب هو مستقبلي ، و الجراحه تحديدا . كنت أفتن دائماً بأحاديث أصدقائه من الأطباء عن مهنتهم . عن ساعات العمل الطويله ، و العمليات الجراحيه التي أجروها و الأرواح التي أنقذوها . شيء ما داخل عقلي كان يحلم بالطب . و لكن صرخات أخرى في قلبي كانت تنادي حلما آخر . يتبع